الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مذكرة على العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية **
فتنة القبر سؤال الملكين الميت عن ربه ودينه ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبي محمد، وأما المرتاب أو الكافر فيقول: هاه هاه لا ادري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. قولهم فيه انه حق ثابت لقوله تعالى: والعذاب أو النعيم على الروح فقط، وقد تتصل بالبدن أحيانا. والعذاب على الكافرين مستمر أما على المؤمنين فبحسب ذنوبهم. والنعيم للمؤمنين خاصة والظاهر استمراره. الجواب على ما ثبت عن توسيع قبر المؤمن وتضيقه على الكافر مع انه لو فتح لوجد بحاله: الجواب من وجهين: الأول: إن ما ثبت في الكتاب والسنة وجب تصديقه والإيمان به سواء أدركته عقولنا وحواسنا أم لا، لأنه لا يعارض الشرع بالعقل لا سيما في الأمور التي لا مجال للعقل فيها. الثاني: إن أحوال القبر من أمور الآخرة التي اقتضت حكمة الله أن يحجبها عن حواس الخلق وعقولهم امتحانا لهم، ولا يجوز أن تقاس بأحوال الدنيا؛ لتباين ما بين الدنيا والآخرة. القيامة: القيامة صغري كالموت، فكل من مات فقد قامت قيامته، وكبري وهي المقصودة هنا، وهي قيام الناس بعد البعث للحساب والجزاء. وسميت بذلك لقيام الناس فيها، وقيام العدل، وقيام الأشهاد.ودليل ثبوتها من الكتاب والسنة والإجماع.فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: وأما الإجماع فقد اجمع المسلمون وجميع أهل الأديان السماوية على إثبات يوم القيامة، فمن أنكره أو شك فيه فهو كافر. وللقيامة علامات تسمي الاشراط كخروج الدجال وياجوج وماجوح، وطلوع الشمس من مغربها. وجعلت لها هذه الاشراط؛ لأنها يوم عظيم وهام فكان لها تلك المقدمات. يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلا غير مختونين؛ لقوله تعالى: الأشياء التي ذكر المؤلف إنها تكون يوم القيامة: أولا: دنو الشمس من الخلق بقدر ميل أو ميلين، فيعرق الناس بقدر أعمالهم، منهم من يصل عرقه إلى كعبيه، ومنهم من يلجمه، ومنهم من بين ذلك، ومن الناس من يسلم من الشمس، فيظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، مثل الشاب إذا نشا في طاعة الله، والرجل المعلق قلبه بالمساجد. ثانيا: الموازين ـ جمع ميزان ـ يضعها الله لتوزن فيها أعمال العباد، فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون. والميزان حقيقي له كفتان خلافا للمعتزلة القائلين بأنه العدل لا ميزان حقيقي. وقد ذكر في القرآن مجموعا وفي السنة مجموعا ومفردا، فقيل: انه ميزان واحد، وجمع باعتبار الموزون، وقيل: متعدد بحسب الأمم والإفراد، وافرد باعتبار الجنس. ثالثا: نشر الدواوين ـ اي فتحها ـ وتوزيعها، وهي صحائف الأعمال التي كتبتها الملائكة على الإنسان قال الله تعالى: رابعا: الحساب وهو محاسبة الخلائق على أعمالهم،وكيفيته بالنسبة للمؤمن إن الله يخلو به فيقرره بذنوبه، ثم يقول خامسا: الحوض المورود للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عرصات القيامة ـ أي مواقفها ـ يرده المؤمنون من أمته ومن شرب منه لم يظمأ أبدا، طوله شهرا وعرضه شهر، وانيته كنجوم السماء، وماؤه اشد بياضا من اللبن، واحلي من العسل، واطيب من رائحة المسك. ولكل نبي حوض يرده المؤمنون من أمته، ولكن الحوض الأعظم حوض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ. وقد أنكر المعتزلة وجود الحوض، وقولهم مردود بما تواترت به الأحاديث من إثباته. سادسا: ] سابعا: الشفاعة وهي التوسط للغير بجلب المنفعة أو دفع مضرة، ولا تكون إلا بإذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع له. وتنقسم إلى قسمين: خاصة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعامة له ولغيره من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. فالخاصة بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذكر المؤلف منها نوعين: الأول: الثاني: شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوها. وأما العامة فذكر المؤلف منها نوعين: الأول: الشفاعة في من استحق النار من المؤمنين إلا يدخلها. الثاني: الشفاعة في من دخلها منهم أن يخرج منها. وهذان النوعان ينكرهما المعتزلة والخوارج بناء على قولهم: إن فاعل الكبيرة مخلد في النار فلا تنفعه الشفاعة. ويخرج الله أقواما من النار بغير شفاعة بل بفضله ورحمته، ويبقي في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا فينشئ الله أقواما فيدخلهم الجنة. الإيمان بالقضاء والقدر: الإيمان بالقضاء والقدر واجب، ومنزلته من الدين انه أحد أركان الإيمان الستة، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وتؤمن باليوم الآخر والقدر خيره وشره. ومعني الإيمان بالقضاء والقدر: أن تؤمن بان كل ما في الكون من موجودات ومعدومات، عامة وخاصة، فانه بمشيئة الله وخلقه، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما اخطاك لم يكن ليصيبك. درجات الإيمان بالقضاء والقدر: للإيمان بالقدر درجتان كل درجة تتضمن شيئين: فالدرجة الأولي تتضمن العلم والكتابة، ودليلها قوله تعالى: النوع الأول: الكتابة في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، ودليلها قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وأما الدرجة الثانية فتتضمن شيئين: المشيئة والخلق، ودليل المشيئة قوله تعالى: فأما المشيئة فهي ان تؤمن بمشيئة الله العامة، وان ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، سواء في ذلك أفعاله وأفعال الخلق، كما قال تعالى في أفعاله: مشيئة العبد وقدرته: للعبد مشيئة وقدرة لقوله تعالى: من ضل في هذه الدرجة وهي المشيئة والخلق: ضلَّ فيها طائفتان: الأولي: القدرية حيث زعموا أن العبد مستقل بإرادته وقدرته ليس لله في فعله مشيئة ولا خلق. الثانية: الجبرية حيث زعموا ان العبد مجبولا على فعله ليس له فيه إرادة ولا قدرة. والرد على الطائفة الأولى القدرية بقوله تعالى: الاعتماد على القضاء السابق وترك العمل: لا يجوز الاعتماد على القضاء السابق وترك العمل؛ لان الصحابة رضي الله عنهم قالوا: مجوس هذه الأمة: مجوس هذه الأمة القدرية الذين يقولون: إن العبد مستقل بفعله. سموا بذلك لانهم يشبهون المجوس القائلين بان للعالم خالقين: النور يخلق الخير. والظلمة تخلق الشر. وكذلك القدرية قالوا: إن للحوادث خالقين، فالحوادث التي من فعل العبد يخلقها العبد، والحوادث التي من فعل الله يخلقها الله. الجبرية يخرجون عن أحكام الله حكمها ومصالحها فما وجه ذلك؟ وجه ذلك إن الجبرية لا يفرقون بين فعل العبد اختيارا وفعله بدون اختيار، كلاهما عندهم مجبر عليه كما سبق، وإذا كان كذلك صار ثوابه على الطاعة وعقابه على المعصية لا حكمة له، إذ الفعل جاء بدون اختياره، وما كان كذلك فان صاحبه لا يمدح عليه فيستحق الثواب، ولا يذم عليه فيستحق العقاب. الإيمان: الإيمان لغةً: التصديق، واصطلاحا: قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح. فقول القلب تصديقه واقراره، وعمل القلب إرادته وتوكله ونحو ذلك من حركاته؛ وقول اللسان ونطقه، وعمل الجوارح الفعل والترك. والدليل على أن الإيمان يشمل ذلك كله قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : زيادة الإيمان ونقصانه: الإيمان يزيد وينقص لقوله تعالى: الكبيرة: الكبيرة كل ذنب قرن بعقوبةٍ خاصة، كالزنى والسرقة وعقوق الوالدين والغش ومحبة السوء للمسلمين وغير ذلك. وحكم فاعلها من حيث الاسم انه مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، وليس خارجا من الإيمان لقوله تعالى في القاتل عمدا: وحكم فاعل الكبيرة من حيث الجزاء انه مستحق للجزاء المرتب عليه، ولا يخلد في النار، وامره إلى الله إن شاء عذبه بما يستحق، وان شاء غفر له لقوله تعالى: الذي خالف أهل السنة في فاعل الكبيرة خالفهم في ذلك ثلاثة طوائف: 1. المرجئة: قالوا: إن فاعل الكبيرة مؤمن كامل الإيمان ولا عقاب له. 2. الخوارج: قالوا: انه كافر مخلد في النار. 3. المعتزلة: قالوا: لا مؤمن ولا كافر، في منزلة بين منزلتين، وهو مخلد في النار. هل الفاسق يدخل في اسم الإيمان؟ الفاسق لا يدخل في اسم الإيمان المطلق أي الكامل، كما في قوله تعالى: الصحابي وموقف أهل السنة من الصحابة: الصحابي من اجتمع مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو رآه ولو لحظة مؤمنا ومات على ذلك. وموقف أهل السنة من الصحابة محبتهم والثناء عليهم بما يستحقون، وسلامة قلوبهم من البغضاء والحقد عليهم، وسلامة ألسنتهم من قول ما فيه نقص أو شتم للصحابة كما وصفهم الله بقوله: اختلاف مراتب الصحابة رضي الله عنهم تختلف مراتب الصحابة لقوله تعالى: أفضلهم جنسا المهاجرون ثم الأنصار؛ لان الله قدم المهاجرين عليهم فقال تعالى: الخلفاء الأربعة: الخلفاء الأربعة هم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وترتيبهم في الخلافة أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي. ويضلل من خالف في خلافة واحد منهم، أو خالف في ترتيبهم؛ لأنه مخالف لإجماع الصحابة وإجماع أهل السنة. وثبتت خلافة أبى بكر بإشارة من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليها، حيث قدمه في الصلاة وفي أمارة الحج، وبكونه أفضل الصحابة فكان أحقهم بالخلافة. وثبتت خلافة عمر بعهد أبى بكر إليه بها، وبكونه افضل الصحابة بعد أبى بكر. وثبتت خلافة عثمان باتفاق أهل الشورى عليه. وثبتت خلافة علي بمبايعة أهل الحل والعقد له، وبكونه افضل الصحابة بعد عثمان. أهل بدر: أهل بدر هم الذين قاتلوا في غزوة بدر من المسلمين، وعددهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا. والفضيلة التي حصلت لهم أن الله اطلع عليهم وقال: أهل بيعة الرضوان هم الذين بايعوا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عام الحديبية على قتال قريش، وإلا يفروا حتى الموت، وسببها ما أشيع من أن عثمان قتلته قريش حين أرسله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليهم للمفاوضة. وسميت ببيعة الرضوان، لان الله رضي عنهم بها، وعددهم نحو ألف وأربعمائة. والفضيلة التي حصلت لهم هي: 1.رضا الله عنهم: لقوله تعالى: 2.سلامتهم من دخول النار: لان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اخبر آل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: آل بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: زوجاته وكل من تحرم عليه الزكاة من أقاربه المؤمنين كآل علي، وجعفر، والعباس، ونحوهم. والواجب نحوهم المحبة والتوقير والاحترام؛ لإيمانهم بالله ولقرابتهم من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولتنفيذ الوصية التي عهد بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيث قال: الأولي: الروافض: حيث غلو فيهم وأنزلوهم فوق منزلتهم حتى ادعي بعضهم أن عليا اله. الثانية: النواصب: وهم الخوارج الذين نصبوا العداوة لال البيت وآذوهم بالقول والفعل. زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ افضل نساء هذه الأمة؛ لمكانتهن عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولأنهمن أمهات المؤمنين، ولأنهن زوجات النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الآخرة، ولطهارتهن من الرجس؛ ولذلك يكفر من قذف واحدة منهن؛ ولان ذلك يستلزم نقص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتدنيس فراشه.أفضلهن خديجة وعائشة، وكل واحدة منهما افضل من الأخرى من جهة؛ فمزية خديجة إنها أول من آمن بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإنها عاضدته على أمره في أول رسالته، وإنها أم اكثر أولاده بل كلهم إلا إبراهيم، وان لها منزلة عالية عنده، فكان يذكرها دائما، ولم يتزوج عليها حتى ماتت.ومزية عائشة حسن عشرتها مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في آخر أمره، وان الله براها في كتابه مما رماها به أهل الإفك، وانزل فيها آيات تتلي إلى يوم القيامة، وإنها حفظت من هدى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وسنته ما لم تحفظه امرأة سواها، وإنها نشرت العلم الكثير بين الأمة، وان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يتزوج بكرا سواها، فكانت تربيتها الزوجية على يديه، وان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال فيها: موقف أهل السنة في الخلاف والفتن التي حصلت بين الصحابة رضي الله عنهم: موقفهم في ذلك أن ما جري بينهم فانه باجتهاد من الطرفين وليس عن سوء قصد، والمجتهد إن أصاب فله أجران وان اخطا فله اجر واحد، وليس ما جري بينهم صادر عن إرادة علو ولا فساد في الأرض؛ لان حال الصحابة رضي الله عنهم تأبى ذلك، أنهم أوفر الناس عقولا، واقواهم إيمانا أشدهم طلبا للحق، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: موقفهم إن الآثار الواردة في مساوئ بعضهم على قسمين: الأول: صحيح لكنهم معذورون فيه؛ لانه واقع عن اجتهاد، والمجتهد إذا اخطا فله اجر، وان أصاب فله أجران. الثاني: غير صحيح أما لكونه كذبا من اصله، وأما لكونه زيد فيه أو نقص أو غُيِّر عن وجهه، وهذا القسم لا يقدح فيهم لانه مردود.
الصحابة ليسوا معصومين من الذنوب، فانهم يمكن أن تقع منهم المعصية كما تقع من غيرهم، لكنهم اقرب الناس إلى المغفرة للأسباب الآتية: 1. تحقيق الإيمان والعمل الصالح. 2. السبق إلى الإسلام والفضيلة،وقد ثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ انهم خير القرون [سبق تخريجه.]. 3. الأعمال الجليلة التي لم تحصل لغيرهم كغزوة بدر وبيعة الرضوان. 4. التوبة من الذنب، فان التوبة تجب ما قبلها. 5. الحسنات التي تمحو السيئات. 6. البلاء وهي المكاره التي تصيب الإنسان؛ فان البلاء يكفر الذنوب. 7. دعاء المؤمنين لهم. 8. شفاعة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي هم أحق الناس بها. وعلى هذا فالذي ينكر من فعل بعضهم قليل منغمر في محاسنهم، لانهم خير الخلق بعد الأنبياء وصفوة هذه الأمة التي هي خير الأمم، ما كان ولا يكون مثلهم. الشهادة بالجنة والنار: الشهادة بالجنة على نوعين:عامة وخاصة. فالعامة أن نشهد لعموم المؤمنين بالجنة دون شخص بعينه، ودليلها قوله تعالى: والخاصة أن نشهد لشخص معين بالجنة، وهذا يتوقف على دليل من الكتاب والسنة، فمن شهد له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهدنا له مثل: العشرة [أخرجه الإمام احمد (1/187) وأبو داوود (4649) والترمذي (3748) وابن ماجة (133) وابن حبان (7002) الإحسان، والحاكم (3/450) عن عبد الرحمن ابن عوف رضي الله عنهم. والمراد بالعشرة: الخلفاء الأربعة، وستة أخري جمعهم بعضهم في قوله: وكذلك الشهادة بالنار على نوعين: عامة وخاصة. فالعامة ان نشهد على عموم الكفار بأنهم في النار، ودليلها قوله تعالى: ]. قول أهل السنة في كرامات الأولياء إنها ثابتة واقعة، ودليلهم في ذلك ما ذكره الله في القرآن عن أصحاب الكهف وغيرهم، وما يشاهده الناس في كل زمان ومكان.وخالف فيها المعتزلة محتجين بان إثباتها يوجب اشتباه الولي بالنبي،والساحر بالولي، والرد عليهم بأمرين: 1. ان الكرامة ثابتة بالشرع والمشاهدة فإنكارها مكابرة. 2.ان ما ادعوه من اشتباه الولي بالنبي غير صحيح، لانه لا نبي بعد محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ ولان النبي يقول انه نبي فيؤيده الله بالمعجزة، والولي لا يقول انه نبي. وكذلك إن ما ادعوه من اشتباه الساحر بالولي غير صحيح؛ لان الولي مؤمن تقي تأتيه الكرامة من الله بدون عمل لها ولا يمكن معارضتها، أما الساحر فكافر منحرف يحصل له الأثر سحره بما يتعاطاه من أسبابه، ويمكن أن يعارض بسحر آخر. الولي ومعني الكرامة: الولي: كل مؤمن تقي، أي قائم بطاعة الله تعالى على الوجه المطلوب شرعا. والكرامة: أمر خارق للعادة يظهره الله تعالى على يد ولي من أوليائه تكريما له أو نصرةً لدين الله. وفوائدها: 1. بيان قدرة الله. 2. نصرة الدين أو تكريم الولي. 3. زيادة الإيمان والتثبيت للولي الذي ظهرت على يده وغيره. 4. إنها من البشري لذلك الولي. 5. إنها معجزة للرسول الذي تمسك الولي بدينه، لأنها كالشهادة للولي بأنه على حق. والفرق بينها وبين المعجزة إنها تحصل للولي، والمعجزة تحصل للنبي. والكرامة نوعان: 1. في العلوم والمكاشفات: بان يحصل للولي من العلم ما لا يحصل لغيره، أو يكشف له من الأمور الغائبة عنه ما لا يكشف لغيره، كما حصل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كشف له وهو يخطب في المدينة عن إحدى السرايا المحصورة في العراق، فقال لقائدها واسمه سارية بن زنيم: الجبل يا سارية. فسمعه القائد فاعتصم بالجبل. 2. في القدرة والتأثير: بان يحصل للولي من القدرة والتأثيرات ما لا يحصل لغيره، كما وقع للعلاء بن الحضرمي حين عبر البحر يمشي على متن الماء. طريقة أهل السنة والجماعة في سيرتهم وعلمهم: طريقتهم في ذلك: أولا: اتباع آثار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ظاهرا وباطنا، واثار الأولين السابقين من المهاجرين والأنصار، امتثالا لقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ثانيا: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة. والمعروف ما عرف حسنه شرعا، والمنكر ما عُرف قبحه شرعا، فما به أمر الشارع فهو معروف، وما نهي عنه فهو منكر. وللأمر بالمعروف شروط: ا - أن يكون المتولي لذلك عالما بالمعروف وبالمنكر. ب - ألا يخاف ضررا ً على نفسه. ج - ألا يترتب على ذلك مفسدة اكبر. ثالثا: النصح لولاة الأمور وإقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد معهم، أبرارا كانوا أو فجارا والتزام السمع والطاعة لهم ما لم يأمروا بمعصية الله. رابعا: النصح لجميع الأمة وبث المحبة والالفة والتعاون بين المسلمين. مطبقين في ذلك قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: خامسا: الدعوة إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، كالصدق والبر والاحسان إلى الخلق، والشكر عند النعم، والصبر على البلاء، وحسن الجوار والصحبة، وغير ذلك من الأخلاق المحمودة شرعا وعرفا , سادسا: النهي عن مساوئ الأخلاق، كالكذب والعقوق والإساءة إلى الخلق، والتسخط من القضاء، والكفر بالنعمة، والإساءة إلى الجيران والأصحاب، وغير ذلك من الأخلاق المذمومة شرعا أو عرفا. الأمور التي يزن بها أهل السنة والجماعة ما كان عليه الناس من العقائد والأعمال والأخلاق الأمور التي يزن بها أهل السنة والجماعة ذلك هي الكتاب والسنة والإجماع، فالكتاب هو القرآن، والسنة قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو فعله أو إقراره، والإجماع هو اتفاق العلماء المجتهدين من هذه الأمة بعد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حكم شرعي. والإجماع الذي ينضبط ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة. ولم يذكر المؤلف القياس؛ لان مرده إلى هذه الأصول الثلاثة. الصديقون والشهداء والصالحون والإبدال: الصديقون هم الصادقون باعتقادهم وقولهم وعملهم والمصدقون بالحق. والشهداء هم الذين قتلوا في سبيل الله، وقيل: العلماء. والصالحون هم الذين صلحت قلوبهم وجوارحهم بما قاموا به من الأعمال الصالحة. والإبدال هم الذين يخلف بعضهم بعضا في نصر الدين والدفاع عنه، كلما ذهب منهم وأحد خلفه آخر بدله. وكل هؤلاء الأصناف الأربعة موجودون في أهل السنة والجماعة. الطائفة المنصورة إلى قيام الساعة وما المراد بقيامها؟: الطائفة المنصورة هم أهل السنة والجماعة الذين قال فيهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وأهل السنة والجماعة هم خيار الخلق بعد الانبياء، فلا يمكن أن تدركهم الساعة. فنسأل الله أن يجعلنا منهم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وان يهب لنا من لدنه رحمة انه هو الوهاب. صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين.
|